اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح لمعة الاعتقاد
213099 مشاهدة
الشهادة بالجنة لمن شهد له النبي بها

ثم كل ما شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة نشهد له بها، كقوله للحسن والحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة وإن كانا لم يموتا إلا بعدما أسنا وبلغا الشيخوخة أو قاربها، وقوله لفاطمة إنها سيدة نساء أهل الجنة، وما ذكره أن خديجة بشرها جبريل ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
وكذلك لما نزل قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وكان ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه ممن يتكلم ويخطب عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ فخاف أن الآية نزلت فيه واكتن في بيته، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فوجدوه يبكي ويقول: أخشى أني حبط عملي، وأني من أهل النار، لأني لا أغض صوتي عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجعوا وبشروه بالجنة يقول الراوي: فرأيناه يمشي على الأرض وهو من أهل الجنة، وقتل رضي الله عنه شهيدا في قتال اليمامة في قتال مسيلمة .
يقول: ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا من جزم له النبي صلى الله عليه وسلم .
أهل القبلة هم المسلمون الذين يصلون إلى القبلة، يستقبلون الكعبة قبلتهم، سواء في صلاتهم أو في توجههم أو في أعمالهم أو يحبونها ويعترفون بفضلها ويحجونها ويعتمرون هؤلاء أهل القبلة، لا نكفر أحدا منهم بذنب اقترفه دون الشرك، وكذلك لا نشهد لأحد بأنه من أهل الجنة، أو من أهل النار، إلا من شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن نرجوا للمحسنين ونخاف على المسيئين، فالمحسنون الذين على العقيدة وكذلك قد أحسنوا الأعمال وأصلحوها يرجى لهم الخير؛ يرجى لهم أنهم من أهل الخير، ولكن لا نقول يقينا إن هذا من أهل الجنة إلا إذا شهد له النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك النار لا نشهد لأحد من العصاة بأنه من أهل النار؛ إلا أننا نخاف على المسيء الذي عمله سيئ كالمصر على سيئات أو على بدع أو نحو ذلك نخاف عليه، يُخاف على هذا أنه من أهل النار ولكن من غير جزم، لأنا لا نعلم بالعواقب، ولا نعلم بما ختم له به، ولا نعلم بما في القلوب، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الناس بالظاهر؛ يعني غالبا، ويقول: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم .